الانتخابات العراقية في ايار 2018 فاجئت العديدين على حين غرة
20-ايلول-2018
كانت نتائج الانتخابات العراقية في ايار 2018 مفاجئة للعديدين على حين غرة وتحديدا الاقتراع الميداني. اجريت سلسلة من استطلاعات الرأي العام بين اذار وايار وتوقعت ان يحظى ائتلاف النصر بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان العراقي. بدلا عن ذلك، تم التفوق على قائمة العبادة من قبل تحالف سائرون وفتح اللذان حظيا بأول وثاني اكثر مقاعد برلمانية على التوالي.
في حين ان التحايل اثر على الارجح على نتائج الانتخابات، الا ان هذه النتائج لا يمكن ان تُفسر بمفهوم الغش فقط. ان البحث الذي بدأت بإجراءه بعد يومين من الانتخابات اعطى مؤشرا ان نتائج الانتخابات تم تشكيلها بالاشتراك من قبل اربع عوامل: انخفاض نسبة إقبال الناخبين والرغبة في التغيير واستراتيجيات حملة المتنافسين وموقف رجال الدين الشيعة من المرشحين.
منذ سقوط نظام صدام حسين، تقلص اقبال الناخبين مع كل دورة انتخابية: في عام 2005، ثمانون بالمئة من الناخبين المؤهلين العراقيين ذهبوا للاقتراع. انخفض هذا الرقم الى ستين بالمئة في انتخابات 2010 و2014، وتراجع الى 44.5% في 2018. وبينما تم النقاش بإنخفاض عدد الناخبين في العراق كثيراً، الا ان يجب التركيز ايضاً على تأثير هذا الاتجاه على الناخبين النشطين. بسبب نسبة المشاركة القليلة في الانتخابات الاخيرة؛ كان للناخبين المتأرجحين الذين ذهبوا الى صناديق الاقتراع تأثيراً كبيراً على النتائج بشكل اكثر من الانتخابات السابقة. اثبتت هذه الظروف فائدتها في انتصار تحالف سائرون الذي حصل على ثلاثين بالمئة من الناخبين المتأرجحين. وبالمقابل، ائتلاف النصر حصل على خمسة عشر بالمئة فقط من مجموع الناخبين المتأرجحين.
وفقاً الى دراسة اجريت على الصعيد الوطني بعد صدور النتائج، فقط خمسون بالمئة من الافراد الذين قاموا بالتصويت لتحالف سائرون ابدوا رأيهم حول كيفية الادلاء بصوتهم في الاسبوع الذي سبق الانتخابات مباشرة. وعليه، فإن من المنطق استنتاج ان نصف الذين قاموا بالتصويت لسائرون على الاقل هم ليسوا بمؤيدين مخلصين للتحالف؛ وفي الحقيقة، بدى العديد منهم انهم من القومية العلمانية.
ولكن ما الذين وجه سلوك الناخبين؟ وبطريقة اخرى لماذا قام العديد من الناخبين المتأرجحين بالتصويت لتحالف سائرون على حساب كتلة القائمة؟ يبدو ان الاجابة لهذه الاسئلة هو الكذب في استراتيجية الحملات الانتخابية بالتبني من قبل ائتلافات سياسية مختلفة في الوقت الذي سبق الانتخابات.
بنى ائتلاف النصر حملته الانتخابية على اداء العبادي كرئيس وزراء وصورته كرجل دولة. على الرغم من ذلك، في حين ان العبادي كان قد انجز الكثير خلال فترة وجوده في المنصب الا ان العراقيين يميلون للشك بالدولة وعملائها. علاوة على ذلك، في الانتخابات السابقة، كان الفساد هو العامل المقرر للعديد من الناخبين العراقيين. اتضح ان هذا الانشغال بالفساد ضاراً للعبادي، ليس فقط بسبب وضعه كسياسي من الداخل ولكن ايضا لأن الناخبين يعتقدون انه كرئيس للحكومة لم يفعل بما فيه الكفاية للتخفيف من حدة المشكلة. وفي هذا السياق، يبدو ان جهود العبادي في معالجة هذه القضايا خلال الحملة كانت متأخرة للغاية. وبالتالي، كإستراتيجية للحملة، وبالتركيز على خبرة العبادي قد لا تكون غير فعالة فقط وانما ضارة كذلك.
حيث حاول ائتلاف النصر بمناشدة الناخبين من خلال التركيز على الماضي، وتحديداً بالتركيز على انتصارهم على داعش، قام تحالف سائرون بزعامة السيد مقتدى الصدر بحملة على فكرة التغيير. بالتحالف مع الحزب الشيوعي العراقي والناشطين في المجتمع المدني، تمكنت القائمة من جذب الناخبين العلمانيين الذين يعتنقون القيم الاسلامية. وبالطبع، قامت الحملة الغير حكيمة من ائتلاف النصر بالمساهمة في نجاح تحالف سائرون.
على الرغم من ان التركيز على التغيير قد جذب العديد من العلمانيين العراقيين، ولكنهم لك يكونوا الجمهور المستهدف الوحيد لرسائل الحملة لتحالف سائرون ولم يكونوا المسؤولين الوحيدين لانتصار القائمة. قبل الانتخابات، قامت المرجعية العليا في النجف بتحذير الشعب الشيعي من عدم اعطاء اصحاب المناصب فرصة ثانية. كان هذا الموقف بمثابة ضربة للسياسيين المخضرمين مثل العبادي والسابقين له، نوري المالكي، الذي كان مرشحا ايضا في انتخابات السنة هذه. وعلى النقيض من ذلك، فإن الصدر شخصية قوية للغاية في السياسة العراقية، ولم يشغل منصباً قط.
بالنسبة للشيعة المتفانين، ان اتباع تعليمات المرجعية العليا هي مسألة عقيدة. وبالفعل، من الواضح ان رسالة المرجعية العليا ابدت بتأثير كبير على سلوك الناخبين. على سبيل المثال، وبناءاً على نتائج الاستطلاع، يبدو ان ثلاثة واربعون بالمئة من الذين صوتوا لتحالف سائرون واثنان وثلاثين بالمئة من الذين صوتوا لتحالف فتح قاموا بذلك لان مرشحي هاتين القائمتين لم يشغلوا منصباً سياسيا في الحكومة من قبل.
تمثل الانتخابات الأخيرة في العراق خروجا عن القاعدة في أكثر من مجال. من الواضح ان الناخبين كانت لديهم الرغبة في التغيير وكانوا على استعداد للقيام بقرارات جريئة واحيانا غير متوقعة لإحداث مثل هذا التغيير. خلال الانتخابات، تخطى العديد من السنة خطوط الطائفية واعطاء اصواتهم لمرشحين شيعة مثل العبادي الذي حصل على ستة وثلاثين بالمئة من اصوات السنة، وهادي العامري من تحال فتح الذي حصل على خسمة عشر بالمئة من الاصوات من نفس الفئة. هنالك ايضا علامات بأن العراقيين الشيعة قد بدأوا بالابتعاد من انماط التصويت الخاصة بهم مما قد يعكس تحولاً دائماً في سياسة الانتخابات العراقية نحو إعطاء الاولوية لمطالب التغيير من خلال الانتماء الحزبي السابق.
https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/opinion-survey-insights-on-the-2018-iraqi-election