ذرائع الاستبداد بالمؤامرة على البلاد؟

ذرائع الاستبداد بالمؤامرة على البلاد؟

منقذ داغر
كما في عالم الاقتصاد فأن اي مشروع سياسي يحمل معه بذور فشله كما يحمل بذور نجاحه. لكن السؤال الاهم،ما الذي يؤدي الى تغلب بذرة النجاح على الفشل في أي مشروع أقتصادي؟ من المعروف أن الاقتصاد لا يعمل في فراغ وانما يعمل في بيئة محفوفة بالمخاطر. لذلك فأن البروفسور هاولي يقول ان الربح هو عائد المخاطرة.بالتالي كلما زادت المخاطرة زاد الربح. لكن السؤال هنا،هل ان الاقتصاد هو لعبة مقامرة بحيث تحدد عوائده نسب المخاطرة؟ الجواب هو:نعم الى حد ما،ولا الى حد ما. فلو لم يتضمن اي مشروع اقتصادي مخاطرة ما لاصبح كل العالم اثرياء واقتصاديين كبار. لكن من جانب اخر فان ما يميز الاقتصادي عن المقامر هو ان الاول يحاول دراسة المخاطر، للتقليل منها،في حين ان المقامر يعتمد الحدس والتخمين المجرَدَين من اي عقلانية. وفي الحالة الاخيرة يكون الحظ -او ما قد يسميه البعض بالقدر او الغيب أو ما الى ذلك- هو العامل الحاسم في الربح أو الخسارة، في حين تكون دراسة الجدوى والادارة الصحيحة للموارد والقرارات المناسبة هي العامل الحاسم في النجاح او الفشل الاقتصادي.
ولا تختلف السياسة عن الاقتصاد.فأي مشروع سياسي-كمشروع العراق الجديد او عراق ما بعد الاحتلال- يحمل في داخله بذور النجاح او الفشل. والسياسة كالاقتصاد أو الاجتماع او كأي منظومة حياتية لا تعمل في فراغ وانما في بيئات متباينة التعقيد والترابط. لا بل اني اجزم ان البيئة السياسية اشد تعقيدا من اي بيئة اقتصادية. وكلما زادت البيئة تعقيدا-كما في حالتنا السياسية- ازدادت نسبة المخاطرة وبالتالي نسب الفشل او حتى عوائد النجاح. وما يمكن ان يميز النجاح او الفشل هو ليس شدة التعقيد بل دقة الترشيد،والفرق واضح بين الاستسلام للتعقيد او تقليله بالترشيد. ولعل واحدا من اهم مكونات البيئة السياسية وأكثرها شيوعا هو التنافس الخارجي والداخلي على السلطة والنفوذ،وهذا مطابق تماما للتنافس الاقتصادي الذي يؤثر كثيرا في بيئات المشاريع الاقتصادية. فالسياسة كالاقتصاد لا يمكن ان توجد دون تنافس. ومثلما ان غياب التنافس الإقتصادي يخلق الاحتكار فان غياب التنافس السياسي يخلق الطغيان والدكتاتورية. وكما ان ما يميز الاقتصادي الحقيقي عن المقامر هو الرشد والعقلانية في التخطيط واتخاذ القراروالمتابعة والتصحيح،فأن ما يميز السياسي الحقيقي عن سياسي الصدفة هو العقلانية وتحمل المسؤولية. فالسياسي الحقيقي يعي طبيعة البيئة المحيطة وما تتضمنه من مخاطر وتنافس ويبني قراراته على اساس الواقع والامكانات لا على اساس الاماني والشعارات. وبالتالي فهو يتحمل مسؤولية النجاح والفشل ولا يحمِّلها للمؤامرة والقدر.
على هذا الاساس فأن الأكثار من لغة المؤامرة في الادب السياسي له واحد من احتمالين فقط،الاول شبيه بسلوك الاحتكار في الاقتصاد بمعنى اتخاذه كمبرر للقضاء على التنافس السياسي من خلال قمعه وقهره وصولا الى احتكار السلطة، وهذا سلوك تقليدي لكل الطغاة في العالم. أما الثاني فهو السلوك التبريري للتخلص من مسؤولية الفشل في ادارة السياسة،فيتم اتخاذ المؤامرات سببا للفشل بدلا من ان تكون تلك المؤامرات دليلا على الفشل.أن الفشل في ادارة التنافس(المؤامرات)هو فشل في السياسة يجب ان يتحمله السياسي ولا يمنُ به على الشعب. وأذا كانت السياسة خالية من المؤامرات فما حاجتنا لعقلاء يسوسونا،ولنتركها أذن للسفهاء ليقودونا. والآن وبعد مئوية تأسيس الدولة في العراق-بضمنها الاعوام الثمانية عشر الأخيرة- اترك للقارىء النجيب ان يجيب على التساؤل الاهم لهذا المقال: هل ان لغة المؤامرة التي سادت العقل السياسي(وللاسف حتى الاجتماعي) في العراق كانت لتقرير الاستبداد أم لتبرير الفشل في قيادة البلاد؟