كيف سيكون سلوك ايران الاقليمي بعد الاتفاق النووي؟هل ستستفيد المجاميع المسلحة من ذلك الاتفاق؟

كيف سيكون سلوك ايران الاقليمي بعد الاتفاق النووي؟هل ستستفيد المجاميع المسلحة من ذلك الاتفاق؟

منقذ داغر

نجحت أيران خلال الفترة التي أعقبت الغزو الامريكي للعراق بتطوير أكثر من خيار عسكري يجعلها في منأى عن مصير العراق. لم يكن الخيار النووي هو الخيار الأهم في هذا الصدد، فبحسب كل المختصين الاستراتيجيين، كانت قدرة أيران على أستثمار قوتها الناعمة في المنطقة والتي نمت كثيرا بعد الغزو الامريكي، وتحويلها الى قوة خشنة تمثلت أحدى تجلياتها المهمة في نسخ ولصق تجربة حزب الله لتكون قوة التأثير العسكري والسياسي في كثير من مناطق الشرق العربي وبخاصة العراق. وسواء في العراق أو سوريا أو اليمن وقبلها لبنان،فأن تلك المجاميع العقائدية المسلحة لم تثبت فقط ولائها لايران بل أثبتت قدرتها ليس فقط على نشر النفوذ الايراني،وجعل ايران قوة أقليمية رئيسية في المنطقة بل وقبل ذلك  تحقيق معادلة قوى استراتيجية جعلت دول المنطقة  وأمريكا تعيد حساباتها الاستراتيجية أكثر من مرة لمواجهة سلاح الميليشيا غير المسلحة  الذي بات يشكل هاجساً وقلقاً أمنياً كبيراً لها.

بناءً على هذا القلق الامني من الانتشار الواسع للنفوذ الايراني (الخشن) في المنطقة، فأن كثير من دول المنطقة عبرت عن فرحها بانسحاب امريكا من الاتفاق النووي وحملة الضغط الاقصى التي دشن ترامب بها عهده وباتت أحدى أهم معالم فترة حكمه. وحتى عندما جاء بايدن بأجندته الواضحة تجاه العودة للاتفاق النووي فقد مارست هذه الدول ضغوط كبيرة على أدارة ترامب من جهة، ودخلت في حسابات و وتحالفات أستراتيجية جديدة(ما يسمى باتفاق أبراهيم) في محاولة لمواجهة أو على الاقل احتواء الخطر الايراني المتنامي والذي كانت الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري رأس الرمح فيه. واليوم وبعد ان باتت العودة للاتفاق النووي بين أمريكا وايران أقرب من أي وقت مضى، فأن وتيرة القلق من تنامي النفوذ (الميليشياوي) المدعوم بالمال والسلاح الايراني بخاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن أيران صارت أعلى من أي وقت مضى. والسؤال الذي يعتقد الكثيرون ان اجابته معروفة هو:هل سيزيد نشاط المجاميع المسلحة المدعومة ايرانياً بعد رفع العقوبات عن ايران امريكياً ليصل الى المستوى الذي كان عليه أبان أدارة أوباما؟ يعتقد الكثيرون أن الاجابة الطبيعية،وفي ظل التجربة التاريخية مع السلوك الايراني في المنطقة هي:نعم بالتأكيد سيزيد نشاط الميليشيات المسلحة وتكسب روافع جديدة لنفوذها السياسي والعسكري في المنطقة. مع ذلك اعتقد ان تحليلاً للعوامل الاستراتيجية لقوة وضعف أيران وميليشياتها قد تجعل هذا الجواب غير حكيم وتنقصه الدقة الواقعية.

أيران:القوة والضعف والفرص والتهديدات SWOT Analysis

  1. القوة الناعمة. في أكثر من دراسة سابقة تم التأكيد أنه وبعكس ما يعتقد الكثيرون،فأن مصدر القوة الرئيسية لايران في المنطقة هي قوتها الناعمة(قوة المثال). مثلت الثورة الايرانية 1979 للكثيرين مصدر ألهام لما يمكن ان يفعله الشعب في مواجهة الدكتاتورية. كما مثلت ذلك المزيج والتلاحم بين قوى الشعب(المستضعفة)ورجال الدين الذين يبشرون بالعدل الالهي المفقود. وبالنسبة للشيعة في العالم،مثلت تلك الثورة التجسيد الحي لا لولاية الفقيه فحسب بل لعودة الشيعة للسلطةالتي فقدوها وظلوا يحلمون بها لقرون طويلة. لا زلت أذكر كيف أندفع الكثير ممن أعرفهم (أو لا أعرفهم) من شباب جيلي في البصرة وبقية مدن العراق، آنذاك لينضموا لحزب الدعوة جاعلين من الخميني مخلصهم ومن الثورة الاسلامية قدوتهم. ومما زاد في الطين بلة أن ردود الفعل العربية على محاولات تصدير الثورة التي أقرها الدستور الايراني الجديد بالغت في شيطنة(الشيعة)متهمةً اياهم بعدم العروبة واللاوطنية والشعوبية والصفوية وسواها من النعوت التي زادت من رصيد أيران بين(الشيعة)العرب بأعتبارهم أكثرية(مثل العراق والبحرين) أو أقلية(مثل السعودية ولبنان) مضطهدة. وظل الكثير من شيعة العراق مثلاً يحلمون باليوم الذي يستطيعون فيه أقامة دولتهم بعد أن حكمهم(السنة) طوال تاريخهم تقريباً. وفر الغزو والاحتلال الامريكي فرصة ذهبية ل(شيعة) العراق كي يستلموا دفة الحكم فكان من الطبيعي ان تكون أيران وأنموذجها الاسلامي الثوري الذي طالما احنضن الاحزاب الشيعية العراقية المثال الذي يحتذى في الحكم. وزاد تبعا لذلك النفوذ الايراني بخاصة في ظل القطيعة التامة للعرب مع عراق ما بعد صدام. كان من الطبيعي آنذاك ان يكون لحوالي 85% من(شيعة) العراق رأي مفضل بايران،ونفس النسبة تقريباً كانت ترى ان أيران هي الشريك المناسب للعراق في عام 2004. الا ان الامور أخذت منحى معاكس بعد الاخفاقات الكبرى للحكومات العراقية المتتالية التي عُدت(شعبياً) احدى نتائج النفوذ الايراني هي والاحزاب ال(شيعية)الاسلامية الداعمة لها.فبعد أكثر من عقد من الانتظار بدأ(الشيعة)في جنوب العراق بطرح سؤال أعجز كل الاحزاب السياسية التي يفترض انها تمثلهم،وجُلّها قريب أو مدعوم من أيران(الثورة): لماذا لم يتحسن حالنا المعاشي أو الحياتي؟ لماذا ما زلنا نعيش في تخلف وجهل وفقر ونقص في الخدمات العامة؟ ماذا فعلت لنا الاحزاب التي تمثلنا،بل كيف حسن الحكم(الشيعي)من حياتنا وماذا سيكون مستقبلنا أذا بقينا تحت حكم ذات النظام والاحزاب والشخوص؟! وبغض النظر عن مدى مشروعية او صدق هذه التساؤلات، وبغض النظر عن جواب الاحزاب الاسلامية(الشيعية) التي كان يخرج منها شخص بين الفينة والاخرى ليعترف بفشلهم ويعد بالتصحيح، فأن أيران وثورتها ونظامها فقدوا جاذبية المثل the example attractiveness واستنزفوا كل رصيد قوتهم الناعمة حتى لم يعد سوى أقل من 20% من العراقيين(الشيعة) يعدّون أيران شريكاً مفضلاً لبلادهم  Iraq from occupation to sickness,Documentary study to Iraq public opinion (2003-2020),Al Thakira publishing house,2020,p.134. وعلى الرغم من أغلبية اللبنانيين( الشيعة) ما زالوا يؤيدون حزب الله وايران،الا ان شعبيتهما تآكلت كثيراً بعد انتفاضة 2019 كما تظهر ذلك ارقام استطلاعات الرأي .كما ان كثير من المراقبين والمختصين لاحظوا المشاكل التي بات يعاني منها حزب الله على الصعيد الشعبي نتيجة الازمة الاقتصادية الخانقة من جهة واتهامه بعرقلة التحقيق في انفجار ميتاء بيروت المدمر كما ان كل الارقام من مراكز الابحاث المستقلة تشير الى تآكل كبير في رصيد ايران الشعبي في المنطقة بعد ان بلغ ذروته عام 2006 نتيجة دعم ايران للعرب ضد(اسرائيل) اما الان فان ايران وفقا لمؤشر الرأي العام العربي عام 2020 تمثل ثالث أكثر دولة تهدد الامن العربي بعد اسرائيل وامريكا

لقد باتت أيران مدركة لضعف التأييد لسياستها ونفوذها في محيطها العربي بخاصة بعد أن انعكس ذلك على الموقف الشعبي الايراني خلال التظاهرات الشعبية الكبرى التي حصلت في ايران عام 2019 ورفعت خلالها الجماهير الايرانية شعارات واضحة تطالب حكومتها بالانسحاب من سوريا ولبنان والعراق واليمن ووقف تبديد ثروتها على عملائها في تلك الدول.

  1. الاقتصاد الايراني.تعكس الارقام الاخيرة التي نشرها البنك الدولي عن الاقتصاد الايراني حالة واضحة من الضعف والهشاشة الاقتصادية التي تمثل تحدياً كبيراً لايران في المستقبل. فحتى مع توقع حصول نمو بسيط في الناتج المحلي الاجمالي GDP  الايراني خلال هذه السنة مقارنة مع تراجع كبير ونمو بالسالب لذلك الناتج خلال الاعوام 2018-2020 فأن من الواضح ان 4 سنوات من العقوبات الاقتصادية الامريكية من جهة وتأثير جائحة كوفيد 19 من جهة ثانية وانخفاض اسعار النفط من جهة ثالثة،قد استنزفت ذلك الاقتصاد تماماً وجعلته غير قادر على مجابهة الحاجات الملحة للناس مما رفع مستوى التضخم الى حوالي 36% كمعدل للسنوات الثلاث السابقة  ويتوقع ان يبلغ 40% هذه السنة(لاحظ الشكل  3والجدول(1  .كما تآكلت قيمة العملة الايرانية بمقدار 400% . كما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة بشدة لتبلغ معدلات غير مسبوقة.  وفي عام 2020 صرح الرئيس الايراني روحاني ان العقوبات الاميركية بعد 2017 حرمت ايران من حوالي 200 مليار دولار. تؤكد الاشكال 4،5 ان ايران باتت تنتج 50% فقط مما كانت تنتجه من نفط قبل العقوبات الامريكية الاخيرة،كما ان قدرتها على التصدير انخفضت باكثر من 80% خلال نفس الفترة ولم تعد قادرة على تصدير اكثر من نصف مليون برميل يوميا معظمها تذهب للصين وروسيا والخلاصة فأن المعاناة الاقتصادية الشديدة والحاجات الملحة للاقتصاد الايراني ستجعل من الصعب جداً على الحكومة الايرانية الحالية ان تنحى بنفس الاتجاه الذي نحته سابقتها عندما رُفعت العقوبات عنها عام 2015. وحتى مع افتراض ان الحرس الثوري الايراني IRG  الذي يقدر الخبراء سيطرته على ثلثي الاقتصاد الايراني فان من الصعب تصور سيناريو قيام هذا الحرس بمد شبكاته الميليشياوية بالمنطقة بذات الموارد المالية التي كان يمدها بها سابقاً. ان حاجة ايران للاموال التي ستتدفق اليها نتيجة رفع العقوبات لا تقتصر على تقليل معدلات الفقر او التضخم او تحسين سعر العملة فقط،بل الاهم من ذلك ضخ الاستثمارات اللازمة لعودة القطاع النفطي لامكاناته الانتاجية والتصديرية السابقة فضلا عن ضخ مليارات الدولارات لاعادة بناء وصيانة البنى التحتية التي تضررت كثيرا نتيجة الحصار.

  1. الموقف الجيوستراتيجي لايران. لقد أدت المبالغة الايرانية في تقدير مصادر قوتها واندفاعها غير العقلاني وراء حلم تصدير الثورة والعودة كقوة اقليمية كبرى أو قوة عالمية متوسطة الى تهديدات جيوستراتيجية كبرى.لقد قامت السياسة الايرانية بذكاء باستغلال الفراغ الستراتيجي الذي خلفه التخبط الاستراتيجي الامريكي في المنطقة طوال ما يقارب العقدين بعد احداث سبتمبر وتورطه في حروب وانسحابات غير مخططة بشكل صحيح سواء في افغانستان او العراق او سوريا. هذا الاندفاع الاقليمي الايراني والذي غالباً ما تم من خلال الوكلاء الميليشياويين سواء في العراق او اليمن او سوريا او لبنان، لم يُثر مخاوف تلك الدول فحسب بل أثار قلقاً اقليمياً ودولياً واسعاً. ويبدو اليوم ان هناك موقف موحد تجاه التمدد الاقليمي الايراني يشمل كل الدائرة الاقليمية التي تحيط بايران تقريباً. وبعد ان نجحت أيران في خلق ما يسمى بالهلال الشيعي[1] الذي بات يمتد من اليمن جنوباً ثم ايران فالعراق فسوريا فلبنان غرباً وكذلك اذربيجان شمالاً،فان هذا التمدد الكبير ادى الى توحيد أسرائيل والسعودية(ومعها معظم الدول العربية والخليجية) وتركيا واذربيجان وحتى الباكستان في مقاومتها لسياسة التوسع الايرانية.لقد ادى قلق دول الخليج العربي من التهديد الامني الايراني،بخاصة بواسطة وكلاء ايران من الحوثيين والضربات المؤثرة التي شنوها بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ والتي اصابت اهدافها في العمق السعودي وفي الامارات العربية المتحدة الى اثارة مخاوف كثيرة لديها. ازدادت حدة هذه المخاوف بعد ان ترددت أميركا كثيرا في الدفاع عن مصالح حلفائها الخليجيين كما اعتادت خلال الادارات التي سبقت اوباما . وبعد مجيء ادارة بايدن التي رفعت الحوثيين في اليمن  من القوائم الاميركية للارهاب تأكدت تلك الدول ان الدعم الاميركي لها ضد ايران لا يمكن التعويل عليه مستقبلا. لذا اتجهت نحو التحالف مع (اسرائيل) لانها تعتقد ان لها مصلحة مشتركة مع دول الخليج في مواجهة ايران كما انها تمتلك القوة والتكنولوجيا التي يمكنها مواجهة التفوق العسكري الايراني. وبذلك باتت اسرائيل(العدو التقليدي لايران) على بعد عشرات الكيلومترات فقط من البر الايراني والمواقع الاستراتيجية الايرانية. اما من الشمال الايراني، فأذا أخذنا بنظر الاعتبار العلاقات الايرانية الافغانية(القلقة) بخاصة بعد عودة طالبان السنية المتطرفة،فان ايران صارت تعاني كما هو واضح من توتر علاقاتها مع معظم دول جوارها. يضاف الى ذلك التوتر الدائم في العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية مما يجعل المحيط الجيوستراتيجي الايراني يعاني من كثير من التحديات التي تستنزف الكثير من قوة ايران الاقتصادية والعسكرية وحتى الناعمة منها. لقد اضافت عودة طالبان للحكم تحدياً عسكرياً  واستراتيجيا مهماً. كما ان التوتر مع اذربيجان زاد كثيرا خلال الاشهر القليلة الماضية وبخاصة بعد الحرب الاذربيجانية الارمينية والتي وقفت فيها ايران مع ارمينيا في حين وقفت تركيا وأسرائيل مع أذربيجان مما ادى الى انتصارها على ارمينيا. واليوم ورغم المساعي لتخفيف حدة التوترات الايرانية الاذرية

الا ان هناك توترا ملحوظاً وخلافات كثيرة تُوجت بالمناورات العسكرية الاخيرة لما يسمى بالاخوة الثلاث(تركيا واذربيجان والباكستان) في بحر قزوين الذي يعد واحا من أهم أعمدة الامن الجيوستراتيجي الايراني واذا اضفنا لذلك كثرة الضربات الجوية (الاسرائيلية والاميركية) للميليشيات المساندة لإيران في العراق وسوريا، وكذلك الهجمات السيبرانية والاستخبارية التي شنتها (اسرائيل) في عمق ايران(وبالذات طهران) لتعطيل البرنامج النووي الايراني فسندرك ان هناك هجوم مقابل اقليمي على المحيط الجيوستراتيجي الايراني يضع ايران في موقع الدفاع(الدائري) عن كل مجالها الستراتيجي بعد ان كانت في حالة هجوم وتوسع مستمرَين طوال العقد ونصف الماضي. هذا التغير ،وهذه التحالفات الجديدة جعلت ايران تحت ضغوط أمنية كبيرة. ومن الطبيعي ان يتمثل الرد الايراني على هذه التهديدات بمزيد من الدعم المادي والمعنوي لوكلائها من الميليشيات الشيعية في المنطقة،غير ان كثرة التهديدات وتنوعها(ضربات جوية، هجمات سيبرانية، وتحالفات اقليمية يجعل من الصعب على دولة مثل ايران مجابهتها جميعا في آن واحد بخاصة وان التفوق التكنولوجي لا يصب في مصلحتها فضلا عن الوضع الاقتصادي للبلد عموماً. هذا العامل سيرجح أذن من أحتمال ان يقتصر الدعم الايراني لتلك الميليشيات الكثيرة على الجانب المعنوي اساسا في حين تتقلص المساعدات المادية لها. ويبدو ان ايران باتت مدركة لحجم وخطورة التهديدات الجيوستراتيجية المحيطة بها،وما موافقتها مؤخرا على الدخول في مفاوضات مع السعودية في بغداد حيث اقيمت عدة جولات للان لم تسفر عن شيء بعد،وكذلك محاولت الدبلوماسية الايرانية لتهدئة الامور مع اذربيجان وافغانستان الا دليل على وعي ايران لحجم المخاطر المحيطة بها والتي تجعل من الصعب عليها تقديم مزيد من الدعم لميليشياتها في المنطقة.

  1. السياسة الداخلية. يمثل الرئيس الايراني الحالي (السيد رئيسي) حالة مشابهة لحالة المرشد الاعلى(الخامنئي) عندما كان رئيساً للجمهورية. فرئيسي هو أبن الجناح الايراني المتشدد والخليفة المتوقع لخامنئي وهذا ما يؤهله لان يقضي (لاول مرة منذ فترة طويلة على النزاع الذي ظل قائما بين مؤسسة الحرس الثوري ومؤسسة الدولة ويوحدهما تحت قيادته. ولانه يريد ضمان انتقال سلس للسلطة من خامنئي له فلا بد له من تهدأة الغليان الشعبي باتباع سياسات اقتصادية اكثر حكمة واقل تطرفا لذا فلن يتوانى رئيسي من استثمار كل الموارد التي ستتوفر بعد العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية لغرض ضخ السيولة اللازمة لانعاش الاقتصاد وتقليل التضخم ومعدلات الفقر وتحسين سعر صرف التومان الايراني. وحتى اذا تيسرت أموال لدعم الميليشيات الشيعية في المنطقة فانها بالتأكيد لن تكون بذلك السخاء الذي تميزت به فترات الدعم السابقة.

  2. أزمة القيادة. بعد مرور أكثر من سنتين على أغتيال قائد الحرس الثوري الايراني السابق قاسم سليماني،أوضحت التجربة العملية عدم قدرة القائد الجديد(قآني) على ملء الفراغ الكبير الذي تركه سليماني في قيادة مجاميع الميليشيات المنتشرة من اليمن الى لبنان مرورا بالعراق وسوريا. ففضلا عن قلة خبرته بشؤون تلك الميليشيات التي اشرف سلفه على تشكيلها وتنظيمها وتسليحها، فأنه يفتقد تلك الكاريزما المؤثرة سواء على رجال الميليشيات او القادة السياسيين القريبين من ايران كما اشار لذلك احد القادة السياسيين البارزين في العراق في حديث شخصي مع الكاتب. فمثلا، خلال الشهرين الماضيين زار قآني بغداد مرات عديدة في محاولة لتوحيد الصف السياسي الشيعي لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. مع ذلك فقد فشل في مهمته تلك. هنا يقارن المراقبون السياسيون للشأن العراقي بين المرات الخمس السابقة لتشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة حيث كان سليماني قادرا على توحيد الخصوم السياسيين تحت كلمته وبين هذه المرة التي لم ينجح فيها قآني بفعل نفس الشيء رغم محاولاته الاكثر.

أعداء أيران: القوة والضعف

تتمتع ايران بقدرة بنيوية ووظيفية قادرة باستمرار على تفريخ الاعداء. وبغض النظر عن عدائها الايديولوجي المعروف لامريكا واسرائيل فان  تصريحات قادة ايران وفي مقدمتهم الامام الخميني عن تصدير الثورة الايرانية، فضلا عن الدعم المتواصل لمن تصفهم ايران (بالمستضعفين) الشيعة بخاصة في دول الجوار الايراني جعلت كثير من الدول (كالسعودية والبحرين والامارات) تخشى على امنها الداخلي نتيجة الدعم الايراني للشيعة فيها. وحتى في دولة شيعية مثل اذربيجان فأن الدعم الايراني للاسلاميين فيها يجعل نظامها العلماني يشعر بالتهديد الدائم  من تلك المحاولات الايرانية .وبما انه تم تعريف التهديدات الجيوستراتيجية التي تواجهها ايران عبر محيط من الجيرة في مدار 360 درجة تقريبا فلا بأس من التفصيل أكثر في مواطن قوة محيط الجيرة الايراني:

  1. السعودية والامارات. حاولت تلك الدولتان مواجهة التهديدات الايرانية لامنها،والتي ازدادت مؤخرا بشكل مكثف من خلال الضربات بالطائرات المسيرة والصواريخ التي اطلقتها ميليشيات الحوثي وبعض الميليشيات العراقية المدعومة ايرانياً،من خلال العمل على ثلاث مسارات متوازية. فعلى الصعيد العسكري استمرت هاتين الدولتين وعلى الرغم من الاستنزاف الكبير لقوتهما في حرب اليمن،بتعزيز ترسانتها العسكرية باحدث المعدات العسكرية المتطورة. فعلى الرغم من التخفيض الملحوظ(10%) لنفقاتها العسكرية عام 2022 لتبلغ $45.5 مليار دولار الا ان هذا الانفاق استمر من بين الاعلى عالمياً مقارنة بالناتج المحلي الاجمالي ولعقود من الزمن كما تدل على ذلك ارقام البنك الدولي(الشكل 6). اما في الجانب الاماراتي فقد خصصت الحكومة مايوازي $20 مليار دولار (5.6% من GDP) للانفاق العسكري عام 2020 مع تخصيصات ضخمة في مجال الاستثمار بالشركات المنتجة للتكنواوجيا العسكرية . وفي شهر ديسمبر الماضي ابلغت ادارة بايدن الامارات المتحدة موافقتها على المضي قدما في صفقة طائرات F 35 الاكثر تطورا في العالم  والتي يتوقع ان ترفع من القدرة الجوية للامارات وتؤمن لها تفوقاً جوياً نوعياً . وعلى الرغم  من فارق الخبرة والقوة القتالية التي تصب لصالح ايران بقوة الا ان الخبرة (وبالذات في مجال الحرب الجوية والدفاعات الجوية الاشد تطورا) التي اكتسبتها السعودية والامارات من قتالها في اليمن ومن التصدي لهجمات الميليشيات غلى اراضيها تجعل الفجوة تتقلص بينها وبين ايران في المجال العسكري. لا بل ان هاتين الدولتين صارت لديهما قدرات عسكرية متطورة قادرة على تهديد العمق الاستراتيجي الايراني.

أما المسار الثاني الذي تعمل عليه معظم دول الخليج العربي في مواجهتها مع أيران فهو مجال العلاقات والتحالفات الخارجية. لقد أدركت هذه الدول انها بحاجة الى مقاربة أستراتيجية جديدة مع ايران تقوم على الدخول بتحالفات سياسية واقتصادية وعسكرية تستهدف محاصرة ايران بعد ان كانت تعتمد سابقاً على الوجود والدعم الامريكيَين لها. فلم يعد تواجد الاسطول الخامس الامريكي في البحرين ولا قاعدة العديد الامريكية في قطر هي فقط من تدافع عن الامن الخليجي في مواجهة التهديدات الايرانية،رغم اهميتها، الا ان التذبذب في الاستراتيجية الاميركية تجاه المنطقة منذ ادارة اوباما الى الان جعل تلك الدول تنتبه لاهمية الاعتماد على قدراتها الذاتية في مجابهة التهديد الايراني.لقد دخلت بعض تلك الدول مثلا في تحالف سياسي وحتى عسكري مع (اسرائيل) وتبادلت العلاقات الدبلوماسية معها ضمن ما يسمى Abraham Accords.

من جانب آخر فقد سعت دول الخليج العربي التي لديها خشية من النفوذ الايراني وتهديداته المتعددة لامنها الوطني باستعادة علاقاتها الدافئة مع تركيا،الجار الشمالي لايران والقطب الآخر في القوى الاقليمية الكبرى في المنطقة. ان خشية تركيا-اردوغان (التي تقدم نفسها مؤخرا انها المدافع عن مصالح السنة والوريث الشرعي للامبراطورية العثمانية)من التوسع الايراني الشيعي في المنطقة وبخاصة من نفوذها المتزايد في الساحة السورية والاذربيجانية المهمتان جدا للامن الاستراتيجي التركي،تجعل اردوغان يسمو على الخلافات الايدلوجية مع السعودية والامارات ويحاول استعادة العلاقات القوية معها. كما ان الحاجة الشديدة للاقتصاد التركي للانفتاح على السعودية والامارات تضاعف من اهمية عودة العلاقات القوية معها. ولان السعودية والامارات ومعها البحرين تدرك أهمية الموقع الجيوستراتيجي لتركيا في محاصرة ايران وقدرتها على تحقيق توازن استراتيجي في المنطقة. لقد توجت زيارة اردوغان الاخيرة للامارات والاتفاقات الاقتصادية والعسكرية التي عقدها تلك الجهود وهذا التحالف الجديد الذي شدد الخناق على ايران .

1 كان الملك الاردني عبد الله الثاني أول من أطلق هذا المصطلح عندما نبه في عام  2004 الى خطورة المخطط الايراني لخلق هذا الهلال الشيعي ليمتد من ايران مرورا بالعراق ووصولا لسوريا ولبنان

  1. اسرائيل. على الرغم من التصريحات المتكررة للمسؤولين الاسرائيليين بانهم لا ينوون الدخول في حرب مباشرة مع ايران الا ان الهجوم الاسرائيلي المستمر على الميليشيات المدعومة ايرانيا سواء في سوريا او الحدود العراقية السورية فضلا عن كثير من الهجمات السيبرناتية والاستخبارية التي تم شنها في عمق ايران مستهدفة البرنامج النووي الايراني والتي من الواضح ان اسرائيل تقف ورائها تؤكد ان هناك حرب خفية shadow war  مستعرة بين اسرائيل وايران. ولا شك ان عدم الرضا الواضح والانتقادات الكبيرة التي وجهتها اسرائيل للاتفاق النووي مؤخرا ستزيد من اشتعال تلك الحرب. ولا يتوقع ان تستطيع امريكا التأثير في القرار الاسرائيلي باستمرار المواجهة العسكرية مع أيران. ان القلق الاسرائيلي من الاتفاق الذي ستبرمه ادارة بايدن مع ايران برعاية اوربية لا ينبع من تاريخ متبادل من عدم الثقة بين ايران واسرائيل،بل من خشية اسرائيل ان هذا الاتفاق(كما فعل في عام 2015) سيطلق يد ايران ووكلائها بخاصة في سوريا ولبنان ليهددوا الامن القومي الاسرائيلي. ان اسرائيل تنظر الى تهديدات حزب الله وبقية الميليشيات المدعومة ايرانيا فضلا عن الامكانات الصاروخية لترسانة ايران العسكرية بانها تهديدات لا تقل خطورة على الوجود الاسرائيلي من التهديد النووي . وطبقاً لتقرير اخير نشرته الواشنطن بوست فان ايران سعت عبر الكثير من الترتيبات الاجتماعية(بضمنها التشيع و اشاعة الايدلوجية الدينية السياسية)والاقتصادية والعسكرية التي اتخذتها في منطقة دير الزور شرق سوريا الى تأسيس نفوذ ميليشياوي قوي هناك لمواجهة اسرائيل . ومعلوم ان ايران تسعى لبناء ممر بري يمتد من ايران عبر العراق وسوريا الى لبنان لتسهيل تنقل القطعات والمعدات العسكرية لتطوق اسرائيل من الشمال والشمال الشرقي. في المقابل فان اسرائيل تسعى لتطويق ايران من الشرق عبر تحافاتها الجديدة مع دول الخليج ومن الشمال الغربي عبر تحالفها الطويل والمستمر مع اذربيجان.من جانب آخر فانه ورغم ان الاتفاق الاميركي الايراني على العودة للاتفاق النووي السابق قد يكون وُقع فعلا خلال كتابة هذه الورقة،الا ان من المتوقع جداً ان تعمل اسرائيل من خلال حلفائها السياسيين الاقوياء داخل واشنطن لتخريب هذا الاتفاق وربما الغاءه مرة أخرى كي تضمن أدامة ضغط العقوبات الاقتصادية على أيران. وحتى لو لم تنجح في ذلك كلياً فان هناك احتمال قوي ان تؤدي الضغوط الاسرائيلية على أمريكا الى عدم رفع جزء مهم من تلك العقوبات مما سيثير غضب ايران ويجعلها تهدد مرة اخرى بمزيد من تخصيب اليورانيوم بشكل ينذر باخفاق الاتفاق مرة اخرى. أن الاشهر القليلة أو السنة التي ستعقب الاتفاق ستجلب معها كثير من التحديات وسيكون من المثير مشاهدة كيفية تطور الامور بين امريكا وايران واسرائيل.

  2. تركيا. أتسمت العلاقة بين تركيا وايران خلال العقدين الماضيين بنوبات من المد والجزر. وعلى الرغم من أن البلدين نجحا للان في ابقاء علاقتهما حية ومحافظة على الحد الادنى من التفاهم الا انه لا يمكن انكار العلامات الواضحة على الخلاف الشديد بينهما في ثلاث مناطق استراتيجية للبلدين هي سوريا والعراق وأذربيجان ومع ان البلدين يشتركان في مصلحتهما لابقاء الاكراد في سوريا والعراق وايران وتركيا تحت السيطرة والحد من نزعاتهم الانفصالية التي تهدد الامن القومي لكل من تركيا وايران،الا ان نقاط الخلاف اكثر واعمق من نقاط الالتقاء تلك. فتركيا ورغم خلافاتها الكثيرة مع اوربا وامريكا تحت رئاسة اردوغان تبقى احد دول حلف الاطلسي القديمة [1]المهمة وتتواجد فيها قاعدة عسكرية كبيرة. وهذا التحالف يفرض على تركيا التزامات قد تتعارض مع الامن القومي الايراني. وتبقى سوريا هي نقطة الخلاف الاستراتيجي الاكبر بين تركيا وايران. فمعلوم ان ايران وروسيا كانتا الدولتان الرئيستان اللتان دعمتا نظام الاسد وابقيتاه في سدة الحكم،في حين انحازت تركيا للمجاميع المسلحة التي قاومت النظام ولم تكتفي بدعمها المباشر بل دخلت بقواتها العسكرية . وفي أغسطس عام 2016 اجتازت القوات التركية الحدود السورية وهي اليوم تحتل مناطق واسعة من شمال سوريا . أما منطقة التضاد العسكري الثانية فهي في العراق. فتركيا تحتفظ بقاعدة عسكرية لها هناك بادعاء انها تريد منع حزب العمال الكردستاني من مهاجمة تركيا انطلاقا من قواعده في منطقة جبال قنديل العراقية. وقد شنت القوات العسكرية التركية الكثير من الهجمات خلال السنوات الماضية ضد ما تدعي انه قواعد عسكرية لحزب العمال الكردستاني في العراق. من جانب آخر فأن هناك تقارير كثيرة تشير ان الميليشيات الشيعية المدعومة من أيران تدعم ميليشيا PKK  الكردية المعارضة لتركيا .ان النزاع بين تركيا ووكلاء ايران حول السيطرة على مدينة تلعفر التي تسكنها غالبية تركمانية لا يتلخص في الصراع بين التركمان السنة والشيعة في سنجار ولا في حماية الاقلية الايزيدية التي تسكن تلك المنطقة،بل هو ايضاً صراع على السيطرة على تلك المدينة الاستراتيجية التي تقع على طريق الممر البري الذي تريده ايران للربط بينها وبين سوريا ولبنان عبر العراق.من جانب آخر فان منطقة التصادم العسكري الثالثة بين ايران ووكلائها من جهة وتركيا ووكلائها من جهة أخرى هي أذربيجان التي ترتبط بعلاقات تاريخية وثقافية ودينية واجتماعية واقتصادية بكل من تركيا وايران. تم في أعلاه ايضاح الخلافات التركية الايرانية في اذربيجان التي يحكمها نظام علماني يحاول الابتعاد عن الاستقطاب الطائفي الشيعي السني الذي قد يفجر التماسك الاجتماعي للشعب الاذري المختلط مذهبياً.كان ابرز تجلي للخلاف الايراني التركي في اذربيجان هو مساندة تركيا لاذربيجان في صراعها مع ارمينيا حول منطقة ناكورنو كاراباخ في حين تساند ايران حليفها الارميني. وقد لعب السلاح التركي(بخاصة الدرونز التركية الصنع) دوراً مهماً في النصر العسكري الذي حققته اذربيجان على ارمينيا  .

ان نقاط الخلاف الكبيرة هذه بين ايران وتركيا لم تمنع البلدين من التوقيع على الكثير من الاتفاقات الاقتصادية خلال 15th Economic Cooperation Organization summit held in Turkmenistan ،مع ذلك فان التبادل التجاري بين البلدين وصل الى 3.4 مليار دولار عام  2020وهو اقل بكثير مما كان مستهدفا تلك السنة(30 مليار دولار) . مقابل ذلك فقد وقعت تركيا اتفاقات مع الامارات العربية المتحدة خلال زيارة الامير بن زايد لاسطنبول عام 2021 بقيمة 15 مليار دولار،كما وقعت 13 اتفاق تعاون تجاري معها خلال زيارة اردوغان لابي ظبي في فبراير 2022 وعلى الرغم من هبوط الصادرات التركية للسعودية الى 2.5 مليار دولار عام 2021  .  الا ان من المتوقع ان تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين تحسن كبير في المستقبل القريب في ظل الزيارة المرتقبة لاردوغان الى الرياض هذه السنة .في ظل هذه الارقام والحاجة الملحة للاقتصاد التركي للاموال الخليجية من جهة، والمصلحة الاستراتيجية التركية في مواجهة التهديدات الايرانية من جهة أخرى فان من المتوقع جداً ان تسلط تركيا مزيد من الضغوط والتحديات الاستراتيجية لايران مما يزيد من قبضة الحصار الاقليمي المضروب عليها. لذا فان مد الميليشيات الشيعية المدعومة ايرانيا في المنطقة بمزيد من الدعم لمهاجمة دول المنطقة سيجعل تلك الدول ترد بشكل مباشر او غير مباشر عبر الشريك التركي مما يحمل مخاطر استراتيجية كبرى على الامن القومي الايراني .

4.باكستان. تمتد الحدود الباكستانية الايرانية مسافة اكثر من 750 كلم . وعلى الرغم من ان علاقات باكستان مع ايران لم تكن ودية دائما،الا انها لم تكن عدائية ايضاً. مع ذلك فقد زادت التوترات بين البلدين في السنين الاخيرة نتيجة الخلاف في ملفين رئيسيين. الاول يرتبط بافغانستان حيث تدعم كل دولة فصيل مقاتل مختلف هناك. فالباكستان هي التي ساعدت في تأسيس ودعم طالبان وترتبط معها بعلاقات وثيقة جدا رغم ما يشاع احيانا من خلاف بين الطرفين. اما ايران فتدعم الميليشيات الافغانية الشيعية. ومع ان هناك محاولات مستمرة بين البلدين لتقريب وجهات النظر والوصول الى نقاط اتفاق مشتركة بخاصة وان في كل من الباكستان وايران اكبر مجموعات من المهاجرين الافغان،الا ان هناك خلافات عقائدية طائفية عميقة بين البلدين,

لقد زادت التوترات الطائفية بشدة في الباكستان خلال السنوات الاخيرة،وهناك ادلة كثيرة ان كل من ايران والسعودية تدعمان ذلك الصراع السني الشيعي في باكستان . كما صرح احد المسؤولين الامنيين الباكستانيين في اعقاب تصاعد موجة من الصراع السني الشيعي في باكستان قبل اكثر من سنة “انه لا يمكن تجاهل الدور الايراني في دعم الميليشيات الشيعية في الباكستان” ويبدو ان السعودية تلعب ذات الدور في دعمها لجماعات الاسلام السني المتطرف. من جانب آخر فان باكستان تتهم ايران بدعم الانفصاليين في اقليم بلوشستان الباكستاني والذي يشكل اهمية قصوى لمصالح الباكستان الاستراتيجية لكونه يضم ميناء جوادر على طريق حزام الحرير الصيني كما انه غني بالغاز والموارد الطبيعية المهمة وعلى الجانب الاخر فان ايران لطالما اتهمت الباكستان بدعم الحركات الانفصالية البلوشستانية في اقليم بلوشستان الايراني. وعلى الرغم من المصلحة المشتركة لكل من الباكستان وايران في منع الحركات الانفصالية البلوشستانية على طرفي الحدود الا ان البلدين لم يتوصلا لليوم لحل هذا النزاع الحدودي مما يجعله بؤرة نزاع مستمرة.  من جهة اخرى فان السعودية والباكستان تتمتعان بعلاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية استراتيجية تمتد لعقود طويلة من الزمن. وقد تم تتويج هذه العلاقات بتعيين رئيس اركان الجيش الباكستاني السابق قائدا عاما للتحالف الاسلامي لمقاومة الارهاب Islamic Military Counter Terrorism Coalition IMCTC  والذي تشكل لقتال داعش ومقره في السعودية .ان هذه العلاقة السعودية الباكستانية الاستراتيجية تشكل بلا شك عنصر ضغط يمكن استثماره سعوديا في حالة بقاء مستوى التهديد الايراني للسعودية على ما هو عليه الان.

5.أفغانستان. تمثل العلاقات الايرانية الافغانية انموذجاً لتداخل وتعقد المصالح الامنية والاستراتيجية بين اي بلدين. فمن جانب تتمتع ايران بعلاقات مميزة مع تنظيم القاعدة وتحتضن كثير من قياداته او عوائلهم في ايران ,وتعود بداية العلاقات الايرانية مع القاعدة الى بداية التسعينات حيث كانت ايران ممرا لعناصر القاعدة الى افغانستان. كما كان هناك حوار ونقاشات مستمرة بين بن لادن والاستخبارات الايرانية حول دور القاعدة في العراق بعد الغزو الامريكي عام 2003 وباعتراف قيادات القاعدة. واليوم ليس هناك شك في مدى وجود علاقة بين الطرفين او لا، لكن السؤال الان حول الدور الذي لعبته تلك العلاقة سواء في افغانستان او العراق . مع ذلك رحبت ايران بالغزو الامريكي لافغانستان والاطاحة بطالبان. لكن سرعان ما قامت ايران بدعم المجاميع المسلحة(طالبان والقاعدة وسواها) لمهاجمة القوات الامريكية في افغانستان . لا بل ان ايران قامت بتشكيل ميليشيات افغانية من اقلية الهازار (لواء فاطميون) وارسلتها للقتال الى جاتب قوات الاسد في سوريا. الا ان ايران من جانب آخر ورغبةً منها في رؤية القوات الامريكية تعلن هزيمتها وتغادر افغانستان كانت احد اللاعبين الرئيسيين في الصفقة الامريكية الطالبانية حتى انها استضافت قيادات طالبان في طهران لتنسيق مواقفهم في مواجهة امريكا .لكن ايران التي تحاول الان الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع نظام طالبان لا تستطيع تجاهل الاعتداءات التي يمارسها انصار طالبان ضد الشيعة الافغان في مزار الشريف كما انهم لا يستطيعون تجاهل العداء الايدلوجي الراسخ الجذور بين الحركات السنية المتطرفة مثل طالبان والقاعدة وتنظيم داعش في خراسان(افغانستان) وبين الشيعة الافغان ومجاميعهم المسلحة التي تدعمها ايران. لذا ستبقى الحدود الافغانية مصدر قلق أمني لايران وقد تحصل اي شرارة تؤدي الى نزاع حدودي مسلح بين الطرفين.

الخلاصة

على الرغم من امكانية حصول ما يتوقعه الكثيرون من عودة ايران الى سلوكها الاقليمي المقلق في المنطقة بعد رفع العقوبات الامريكية عنها اذا وافق الطرفان على العودة لاتفاق 2015  النووي، سواء بواسطة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني IRG  او من خلال ميليشياتها الولائية Walaa’ie’s militias  في العراق وسوريا ولبنان واليمن وافغانستان ،الا ان هذاالاحتمال هو اقل ترجيحاً من احتمالات تدشين سياسة ايرانية خارجية جديدة تقوم على الاحتواء والتهدئة بدلا من التصعيد والمواجهة. ان التحليل الاستراتيجي SWOT   لمواطن القوة والضعف في ايران يكشف عن ضعف استراتيجي واضح على صعيد الداخل الايراني الذي يواجه ازمة اقتصادية خانقة تتطلب توجيه كل الموارد التي سيتم الحصول عليها من الاتفاق النووي مع امريكا لغرض اعادة بناء الاقتصاد وتعويض الفرص الضائعة والتخفيف من الغضب الشعبي الداخلي. ان قيادة رئيسي المقرب من المرشد الاعلى والحرس الثوري للسياسة الايرانية وقدرته على توحيد جناحي الحرس الثوري والدولة الايرانية تجعله اكثر قدرة على ضبط ايقاع الحرس الثوري ومنع استفادته من الاموال التي ستتدفق على ايران بعد الاتفاق لغرض توسيع ودعم شبكة ميليشياته ووكلاءه في المنطقة. كما ان حاجة رئيسي الذي يطمح بتسلم سلس لمنصب المرشد الاعلى بعد وفاة المرشد احالي الذي يعاني من مشاكل صحية كبيرة لكسب الشارع الايراني الغاضب من التدخل في شؤون المنطقة وصرف موارده الشحيحة على سياسة التوسع الايرانية، تجعل رئيسي اقل ميلا في هذه المرحلة على الاقل لدعم سياسة تصعيد مع دول الجوار. من جانب آخر فان تحليل الفرص والتهديدات التي تواجه ايران حالياٍ يكشف عن أرجحية واضحة للتهديدات الجيوستراتيجية التي تواجهها ايران حالياً وتفوقها على ما يمكن ان تتيحه لها سياسة اكثر عدائية تجاه دول الاقليم. فاذا نظرنا الى خارطة الجوار الايراني فيمكن التمييز بوضوح  ان هناك دائرة خطر من 360 درجة تحيط بايران وتطبق عليها من كل جانب نتيجة سياساتها التوسعية الاقليمية التي وحدت جهود معظم دول الاقليم ضدها(لاحظ الشكل 7). هذه التهديدات الجدية المحيطة بايران ستضيف عامل آخر لاحتمال تفضيل رئيسي لسياسة اقل تشددا في هذه المرحلة على الاقل. ان لحتمالات التهدئة في المنطقة تبدو أكثر ترجيحا من احتمالات التصادم على الرغم من التاريخ الطويل من عدم الثقة بين دولها. وعلى الرغم من حاجة الحرس الثوري الايراني لمعارك مستمرة لادامة شرعية وجوده بخاصة بعد ان صار يسيطر على اكثر من ثلثي الاقتصاد الايراني،الا ان ما يعانيه هذا الاقتصاد والذي يمثل البقرة الحلوب للحرس الثوري قد جف ضرعه وبات بحاجة ماسة الى مزيد من الغذاء والطاقة كي يعود الحليب لشرايينه.

Source: https://www.csis.org/analysis/how-will-revival-jcpoa-affect-regional-politics-and-iranian-militias