إيران الدولة والثورة ، وعراق الدولة والإشباح : الفرص والتحديات

إيران الدولة والثورة ، وعراق الدولة والإشباح : الفرص والتحديات

منقذ داغر – ج 2

في الجزء الأول من المقال خلصت للاستنتاج أن هناك صراعاً خفياً بين جناحي الدولة والحرس الثوري في إيران. وأن هذا الصراع بدأ بالبروز والإمتداد للساحة العراقية بعد إعلان الإدارة الأمريكية الجديدة عن نيتها لإتباع نهج مختلف عن نهج إدارة ترامب في التعامل مع إيران.
فجناح الدولة في إيران ممثلاً بالخارجية الإيرانية وإطلاعات يريدان الجلوس على مائدة التفاوض مع أمريكا وفق أقل إشتراطات ممكنة من قبل الإيرانيين في حين أن جناح الحرس الثوري (يعضِده المرشد الأعلى هذه المرة) لا يرون فائدة مهمة من إعادة التفاوض مع أمريكا ما لم تكن هناك عوائد كبيرة لإيران من هذا التفاوض. ومن الواضح أن هذه العوائد المتوقعة من جناح الحرس – المرشد هي أكبر مما يمكن قبوله حتى من الإدارة الأمريكية الجديدة في ظل التغيرات التي طرأت على المنطقة بعد 2015.
بناءً على ذلك فإن أتباع جناح الحرس الثوري في العراق يسعون إلى تعقيد مهمة التفاوض ، ولربما كانت الهجمات الأخيرة على أرتال الدعم اللوجيستي الأمريكي والقاعدة الأمريكية في إربيل جزء من هذا الصراع الذي لا يبدو أنه سينتهي قريباً. إن الوضع المثالي للتعامل مع هذا الصراع الإيراني داخل العراق هو بمحاولة منعه أو تجنبه. لكن هذا لا يبدو ممكناً من الناحية العملية في ظل الحرية شبه المطلقة لدولة الأشباح في العراق. لذا بات على الحكومة العراقية إدارة المخاطر الناجمة عن هذا الصراع بطريقة تقلل من آثارها السلبية ومحاولة استثمار هذا الصراع لتحقيق مكاسب عملية على الأرض.
وعلى الرغم من صعوبة ذلك إلاّ أن الإستفادة من بعض معطيات هذا الصراع لصالح تعزيز السيادة الوطنية والتقليل من هيمنة الميليشيات المسلحة على الأمن والسياسة وحتى الإقتصاد العراقي تبدو ممكنة. هذا يتطلب تفاهماً وتعاوناً مع جناح الدولة في إيران. هذا التعاون يجب أن يبنى على أساس المصلحة المشتركة واستقلال القرار وعدم الإنجرار لتصبح مؤسسات الحكومة العراقية جزءً من هذا الصراع. فمثلاً ، سيتيح إدراك وتشخيص هذا الواقع للحكومة العراقية مزيد من الحرية والتأييد الداخلي والخارجي لضرب كل الميليشيات التي تقع خارج سيطرة الحكومة حالياً. وستتاح الفرصة للحكومة الحالية لإستقطاب مزيد من القوى السياسية الشيعية المتأثرة بالتجربة الإيرانية. كما يمكن استثمار هذا الصراع للتنبيه إلى المخاطر الناجمة من تبني النموذج الإيراني في إدارة الدولة والقائم ليس على ولاية الفقيه فقط ، وإنما على كسر احتكار الدولة للعنف وجعل القوات المسلحة للدولة أضعف من القوات المؤدجلة والتي لا تأتمر بأمر مؤسسة الدولة وأنما بأمر الحرس الثوري.
أخيراً فإن هذا الصراع الإيراني الداخلي والمنعكس على الساحة العراقية يمكن أن يستثمر لإعادة تقويم العلاقة مع إيران وبناء شراكات حقيقية مع الدولة الإيرانية تقوم على أساس التوازن والمصلحة المشتركة للبلدين الجارين