صعود الطالبانية الجديدة: ثالثاً هل تغيرت طالبان؟

صعود الطالبانية الجديدة: ثالثاً هل تغيرت طالبان؟

منقذ داغر
على الرغم من ان التنبؤ بالمستقبل في السياسة صعب جدا ويحتاج للكثير من الالمام ليس فقط بالمتغيرات على الارض ،بل والمتغيرات داخل عقول ونفوس صناع القرار الا اني سأحاول خوض المغامرة للمساعدة في بناء رؤية قد تكون مفيدة لواقعنا العراقي. لقد لاحظتُ حملة علاقات عامة لا تخطئها البصيرة من قبل قوى الاسلام السياسي (الشيعية والسنية) والقوى القومية المعادية للسياسة الامريكية في المنطقة فضلا عن منافسي امريكا الاستراتيجيين لاعادة انتاج الصورة المعروفة عن طالبان واخراجها بمنظر الحركة الوطنية الاسلامية المعتدلة التي يبشر عهدها بحقبة من مزيج من التسامح العرقي والاعتدال الديني من جهة والاستقرار الامني الذي تفتقر له افغانستان والمنطقة من جهة أخرى. افهم تماماً من خلال دراستي للحركات الجهادية الاسلامية ان قوتها الناعمة وعلامتها التجارية الدينية تؤمن لها التفوق في مجالين رئيسيين برعت هذه الحركات في أخراجها واعطاء الانطباع انها وحدها القادرة على تحقيقهما: مقاومة الاستعمار بكل اشكاله وطرده (البعد الوطني) ،وتحقيق الامن والاستقرار من خلال الضرب بيد من حديد على ايدي الفاسدين والسارقين وكذلك حصر السلاح بيد جهة واحدة (البعد الامني). وفي دراسة ميدانية استندت الى الاف المقابلات التي قام بها فريقي البحثي سواء مع من كانوا تحت حكم داعش في العراق او مع ارهابيي داعش انفسهم ، كان جلياً قدرة داعش على حشد الرأي العام لصالحه بخاصة خلال المرحلة المبكرة لاحتلال الموصل والانبار بواسطة خطابها الاعلامي الذي كان يبرع في تصوير الانتصار على امريكا الغازية واعوانها من سياسيي الحكومة العراقية ، وكذلك تصوير الخدمات والامان اللذان تحققا بفضل الخوف من العقوبة الشديدة التي توقعها داعش بالفاسدين والسارقين واي جماعة لا تخضع لنفوذها. ولكي تكتمل صورة الحركة الدينية المعتدلة القادرة على ادارة الدولة وتحقيق الامن والخدمات في اعقاب الفوضى التي احدثها من سبقوها ، فقد تضمن الخطاب الاعلامي المبكر لداعش تسامحها مع من يحملون افكارًا مغايرة وانها تريد فتح صفحة جديدة في المناطق التي سيطرت عليها. ومع ان الخطاب الطائفي كان يظهر بين الفينة والاخرى ،الا ان داعش كانت تركز كثيرا على البعدين الوطني والامني من جهة ،وتسامحها واعتدالها من جهة اخرى.
خلال الايام الماضية كان الخطاب الاعلامي المؤيد لطالبان ينحو ذات المنحى. فمن جهة تم التركيز كثيرا على تسامح طالبان مع خصومها والمخالفين لها. كما تم التركيز على قدرتها على ضبط الامن في كل ارجاء افغانستان دون اي قتل او اطلاق نار. هذا فضلاً عن التركيز على انهاءها للغزو الامريكي وما انتجه من حكومة فاسدة وغير قادرة على تحقيق الخدمات الاساسية للمواطن الافغاني الذي عانى كثيراً ومنذ مدة طويلة وبات يتشبث بأي أمل في الاستقرار والرفاهية بخاصة وان الديمقراطية التي بشرت بها امريكا لم تنتج الا الفوضى والخراب لافغانستان. ان هذا النجاح الاعلامي المذهل لطالبان والذي جعل الكثيرين في المنطقة يتعاطفون معها ،بخاصة الشباب أو اولئك الذين نسوا او تناسوا تاريخها السابق ، لم يأتِ من نجاحات طالبان في الحكم-لانها لم تباشر الحكم بعد- لكن جاء من فشل امريكا ومن دعمتهم في الحكم طوال السنوات الماضية. وهنا بالضبط تكمن الخطورة المتصورة لاعادة انتاج وتسويق طالبان. فمع اقراري بان الغزو الامريكي لافغانستان انتج حكومة فاسدة وغير كفوءة تجاهلت حاجات وتطلعات الافغان وانغمست في تحقيق المصالح المادية والسلطوية للقائمين عليها ،بل ومع اقراري بأن الغزو الامريكي لافغنستان تجاهل مثل الغزو الامريكي للعراق القانون الدولي وأستند الى حجج كان يمكن تحقيقها بوسائل اخرى غير الغزو ،الا ان تبرير استيلاء حركة دينية جهادية متطرفة على الحكم في افغانستان يعبر عن جهل عميق يآلية عمل تلك الحركات من جهة ،وسذاجة سياسية من جهة اخرى ستدفع ثمنها كل شعوب المنطقة.(يتبع)