منقذ داغر
جُبل العقل العربي-لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا- على تقديم (من)على( ماذا )أو (كيف ). لكني سأركز هنا على ماذا بدلاً مِن (مَن). الجميع في العراق يترقبون من سيكون رئيس الوزراء القادم ومن هم فريقه الوزاري. ودائماَ يجري التوسع في (من) لنعرف مَن هم أعضاء الحكومة من الحزب الفلاني أو العلاني، ومن يتبع لهذه الدولة أو تلك،ومن هو الاسلامي او الاسلاموي أو الليبرالي أو المحسوب على هذا أو ذاك. وفي خضم هذا ال(من)الطاغي على التفسير والمانع للتفكير،ننسى أن نسأل ماذا أو كيف؟ وعلى الرغم من أن العراق صار أحد بلدان(الكيف) فأن الكثيرين لا يهتمون ب(كيف). ويبدو أن الكيف منع الكيف! بالنسبة لي فأن ما يهمني هو كيف سيدير رئيس الوزراء وفريقه (وأياً كان اتجاه هواهم) أهم أزمة تواجه العالم وليس العراق فحسب ،الا وهي الأزمة الأقتصادية؟
كل المؤشرات تشير الى أن الأزمة الأقتصادية العالمية ستتفاقم لأسباب كثيرة،ليست الحرب الروسية سوى واحدة منها فقط. وبعد أن تأكد العالم أن القاطرة التي تجر الأقتصاد نحو الهاوية هي التضخم المنفلت فستَستخدم كل الادوات المالية والنقدية المتاحة للعالم للحد من أنفلات التضخم. وبعكس حكوماتنا العتيدة، وأحزابها الرشيدة ،وبرلماناتها المجيدة،وقراراتها السديدة،وميليشياتها العديدة ،فأن العالم لا يسمح لأي منفلت أن يعيث في الأرض فساداً وسرقةً ونهباً دون أن يحركوا ساكن.فالمنفلت عندهم يجب أن يجري علاجه حتى لو تطلب ذلك تداخلاً جراحياً مؤلماً. لذا أتُخذت العديد من الخطوات والأجراءات الأقتصادية المؤلمة(والتي ستنعكس علينا بلا شك) لأيقاف أنفلات التضخم علماً أن الأقتصاديين هناك لا زالوا يطالبون بالمزيد.
قد يعتقد البعض أن العراق سيستفيد من هذه الأزمة نتيجة أرتفاع عوائده النفطية وتراكم أحتياطاته،وهذا الاعتقاد صحيح نسبياً لكن،بشرطه وشروطه(حسب مقولة الأسلاميين).كل التوقعات تشير الى بقاء النفط حول سعر 100 دولار. أي أن عوائد العراق لسنة قادمة ستتراوح بين 120-140 مليار دولار. وهو دخل يكفي لأحداث طفرة نوعية (بخاصة ونحن على هذا الحال من الوفرة منذ مدة)لو أَعطي بيد من يجيدون أستثماره. لكن هناك عدد من العوامل يجب الأنتباه لها.أولها أن العراق يستورد كل شيء وبخاصة المشتقات النفطية التي قفزت أسعارها أضعاف سعر النفط مما سيأكل معظم العوائد المتوقعة. كما أن العراق(وهو الأهم في نظري)يعاني من مشكلتي الفساد والتوقعات. لن أتحدث عن الفساد لأن الحديث عنه بات مثل الحديث عن مسلسل مكسيكي أو تركي لا ينتهي. لكني سأتحدث عن ثورة التوقعات وفن أدارتها. فبعد الضربات الموجعة التي سددتها الجائحة وتداعياتها،وخفض العملة وتبعاتها،ها نحن أمام عاصفة السياسة وأخفاقاتها. أن الحكومة التي ستتشكل سواء كانت بأطار مليء بالهواء أو بمستقلين يمشون على الماء أو بتحالفات لا تعرفها الا السماء،ستواجه ثورة توقعات من الشارع الذي طال أنتظاره وقل أصطباره وتأججت ناره وصار ليله أسوأ من نهاره.
أن أطلاق الوعود بخدماتٍ قادمة،ونجاحاتٍ دائمةنوآمالٍ عائمة ،كما يفعل بعض قصيري النظر من (السياسيين) لن يؤدي الا الى رفع مستوى التوقعات في الوقت الذي لا تملك فيه الحكومة القادمة(عملياً) الا ان تستجيب للأزمة الأقتصادية بأجراءات غير شعبوية. هذا أذا كان الطاقم الأقتصادي القادم ممن يعون معنى الأقتصاد. أما أذا كانوا(كما جرت العادة) ممن يهتمون برضا أحزابهم أكثر من رضا شعبهم،أو من خريجي كليات الفساد لا كليات الأقتصاد، فسيلجأون لأجراءات شعبوية تكفل أولاً ضخ أموال جديدة في خزائن الأحزاب ولجانها الأقتصادية، وترضي بعض قصيري النظر وتحقق لهم نصراً كارتونياً في الأعلام مثل مزيد من التعيينات في الحكومة أو التلاعب من جديد بسعر العملة .أن من سيستلم الحكومة القادمة لن يضطر للرقص مع الأفاعي،بل سيرقص بقدمين حافيتين ،أحداهما على جمر توقعات الناس وآمالهم والأخرى على جمر الأقتصاد وتداعياته. وسواء رقص على هذه الجمرة أو تلك فسيحترق ويحرقنا معه.

 

https://munqithdagher.com