منقذ داغر
ندرك جميعاً ان العراق يمر بأنتحار وليس مجرد أنسداد سياسي،وأننا بتنا بحاجة لكل جهد ينقذ العراق من طريق الانتحار الذي يمضي به قادة هذه ال(طبخة)السياسية التي لا يفوح مها سوى الفساد والفشل! لكن كعادتنا مع الجبل الذي ما فتأ يلدُ لنا الفأر تلو الآخر،ها نحن إزاء مولود فقد مقومات الحياة الشكلية والموضوعية قبل ولادته القيصرية. شكلياً،فأن من يريد حل أزمة سياسية كالتي نمر بها لا يطرح (مبادرته) علناً الا اذا تأكد من رفضها سراً فيريد احراج الطرف الآخر شعبياً،أو أنه متأكد من رفضها فيطرحها علناً من باب أسقاط الواجب. أما موضوعياً،فأن أي مبادرة تستهدف جمهورا معيناً للتجاوب معها،فمن هم الجمهور المستهدف بمبادرة الاطار؟
1. أذا كان الصدريون هم المستهدفين من المبادرة،فقد جانبت المبادرة الصواب ابتداءً من الآية التي أختيرت لافتتاحها والتي جعلت الاطار هو الفئة الناجية باعتبارها هي التي تدعو للمعروف وتنهى عن المنكر وهم،دون سواهم المفلحون! ولا ادري سبب أصرار تحميل القرآن أوزار القوم سواء هذا الطرف او ذاك حين يتم الاستشهاد به،وهو كتاب لتوحيد، لا لتفريق الناس وتقسيمهم لفئات؟!أما افتتاحية المبادرة فقد جاءت منذ بدايتها لتتهم الآخر بعدم عدالة فوزه بالانتخابات! وكم ذكرتني الآية ومقدمة المبادرة بديباجة دستورنا العتيد التي تفرق أكثر مما توحد. اما المادة 3 من المبادرة فقد كانت خلطة عطار بامتياز.لقد تم خلط اربع اكثريات في سطرين:(حق الاكثرية) دون معرفة هل المقصود اكثرية الناخبين ام اكثرية المجتمع ام اكثرية المقاعد النيابية،و(المكون الاكبر مجتمعياً) وواضح ان المقصود بها الشيعة وكأنها تقول للصدريين انكم لا تمثلون الشيعة،و(كتل المكون الاكبر) وهي عبارة تنفي وجود كتلة أكبر داخل (المكون) بل هناك (كتل) للمكون الاكبر يجب ارضاءها جميعاً. ثم جاءت آخر عبارات الخلطة(لتكوين الكتلة الاكثر عدداً) لتقرر ان الاكثرية العددية لا تتأتى من اتفاق الفائزين في الانتخابات بل من توافق (كتل المكون الاكبر). أربع أوصاف تمييزية(اكثرية،اكبر مجتمعيا،المكون الاكبر،الكتلة الاكثر عددا) وردت في سطرين في مبادرة يراد منها تأليف لا تجفيف القلوب!
2. أما المفارقة الاكبر فقد جاءت في المادة خامسا المليئة بالتناقضات ولوي الارادات. ففي الوقت الذي اباحت المبادرة لاصحابها في المادة ثالثا اختيار من يتوافقون عليه(هم لوحدهم) رئيسا للوزراء فقد أعطت الحق في المادة خامسا لكل المكونات الاخرى رفض مرشح الكرد(باعتبار ان السنة مرروا حصتهم في رئاسة البرلمان) بحجة ان(الرؤساء الثلاث ممثلين للجميع)!!فأذا الرؤساء ممثلين للجميع فلماذا لا يحق للآخرين التدخل ايضا بأختيار رئيس الوزراء الذي يفترض ايضا ان يكون ممثلا للجميع؟! هذا ناهيك عن المادة ثانيا التي من الواضح انها تؤنب الكرد لعدم اختيارهم مرشح لرئيس الجمهورية يتصف بالكفاءة والاخلاص وحسن السيرة والسلوك!
3. واضح ان المبادرة تستهدف ايضاً استمالة المستقلين لجانبها بدعوتهم لترشيح رئيس للوزراء منهم على ان يتم التوافق عليه من قبل الكتلة الاكبر وفق تفسير المحكمة الاتحادية للمادة 76. ولا اعتقد ان المستقلين من السذاجة بحيث لا يدركون شكلية هذه الدعوة التي لا يمكن تحققها عمليا لافتقاد المستقلين للكتلة الاكبر وفق تفسير محكمتنا الاتحادية(العتيدة).
4. والغريب الآخر في هذه المبادرة هو نص المادة اولا الذي يبرر طرحها الان بمراعاة المدد الدستورية!! وكأن هذه المدد لم تُخرق بعد،وكأن من عطّل انتخاب رئيس الجمهورية ليسوا هم اصحاب المبادرة؟ّ!
5. أما اذا كان الشعب هو المقصود بهذه المبادرة،فان الجميع يعلم ان الشعب قد نفض يده من هذه ال(طبخة)السياسية منذ مدة ولم يعد يكترث بها،وأن كل ما تفعله امثال هذه المبادرات هو دق مزيد من المسامير في نعش العملية السياسية وتجريدها حتى من ورقة التوت التي تستر عورتها.
أخيرا فأن المبادرة تفرض على الجميع تعديل قانون الانتخابات واعادة تشكيل المفوضية. ولا ادري هنا لماذا تثار مسألة خلافية(رغم اني ايضا أؤيد اعادة النظر في قانون الانتخابات) لا علاقة لها بتشكيل الحكومة في مبادرة يفترض بها ان توحد الصفوف لا تفرقها! ان من يريد فعلا انهاء الانسداد السياسي فعليه الابتعاد عن المماحكات الاعلامية اولا وتركيز الجهود لتوحيد الصفوف من خلال جهد سياسي توفيقي داخلي،وان يبتعد عن لغة المكونات والتخوين ويدرك قبل كل شيء ان هناك متغيرين سياسيين اساسيين حدثا يجب ان يقلبا كل انماط التفكير السابقة وكل خلطات العطار الفاشلة هما انتفاضة تشرين وانتخابات تشرين.